الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

إفلاس النظام الجزائري: سب وشتم.. للكاتب "بوعلام صنصال" أمام "البرلمان"!!

محمد أشلواح
السبت 4 يناير 2025 - 10:47

في خطاب ألقاه الأحد الماضي)29دجنبر 2024 ("عبد المجيد التبون" أمام البرلمان، هاجم "الرئيس" الجزائري الكاتب "بوعلام صنصال" واصفا إياه ب"المحتال.."، حيث قال "أرسلتم لنا واحدا لا يعرف أباه ليقول لنا إن نصف الجزائر ملك لدولة أخرى)..اليوم تجي نتيا تبعث لي واحد لص مجهول الهوية مجهول الاب اِجي اقولك الجزائر نصها كانت دولة الفلانية..( .

هذا، ويذكر بأن السيد "صنصال" معتقل في الجزائر، منذ 16 نونبر2024، بسبب التعبير عن آرائه بشجاعة وبشكل موضوعي وبكل مسؤولية. لكن وبما أن "النظام" في الجزائر لا يرحم من يفكر ويعبر بشكل حرّ لذلك وجهت تُهَم ل"بوعلام صنصال"، بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات في الجزائر، والتي تُعدّ " فعلا إرهابيا أو تخريبيا كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي". 

لقد أثار ما تفوَّه به عبد "المجيد التبون" في حق "بوعلام صنصال" ردة فعل قوية واستياء واستنكار كبيرين، من طرف الرأي العام الجزائري والدولي، جراء ما تعرض له ـ هذا الكاتب والمثقف والمواطن الجزائري ـ من سب وشتم وهجوم واعتداء وتحقير من طرف أول شخصية في البلاد!

تفاعلا مع هذا الموضوع يمكن أن نسجل الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: إن ما تفوه به "عبد المجيد التبون" جاء في إطار خطاب رسمي أمام البرلمان الجزائري، حيث نعت "بوعلام صنصال" بنعوت غير مقبولة  وبكلام ناب وفي اجتماع عام لمؤسسة تشريعية)الغريب أن "ممثلي" الشعب صفقوا بحرارة لكلام التبون (!!، من المفترض أنها تمثل الجزائريين، كلام يبعث على الاشمئزاز والتقزز ويفتقد للاحترام واللباقة المفترض توفرها في شخص يتحدث أولا أمام مؤسسة دستورية، وثانيا يتحدث بصفته كرئيس دولة، وثالثا كإنسان، يجب أن يحترم أخيه الانسان في جميع الظروف والأحول، فهذا موقف وتصرف يفتقد لكل المقومات والشروط التي قد تجعلنا نصنف المتحدث/ المتفوِّه كرجل دولة لا يجب أن يبدي حماسة زائدة ومتهورة؛ سواء كانت تحت تأثير ضغط قادته العسكريين، أو كانت كمظهر من مظاهر الاحتفال بالعهدة الثانية، أو لإبراز كونه الرجل المناسب في المكان المناسب كما يرى ذلك "شنقريحة" وشلّته!

 الملاحظة الثانية: إن من بين  أهم التهم التي اعتاد "القضاء/النظام" في الجزائر أن يوجهها، لمن يخالفه الرأي، تُهَم؛ "الإرهاب"، تهديد "أمن" الدولة و"الوحدة" الوطنية وتهديد "استقرار" المؤسسات..، وهي تُهم انتجها "النظام" العسكري إبان "العشرية السوداء" ولازالت تطبق، إلى اليوم، لسحق كل من سوَّلَت له نفسه المساس بمصالح المتنفذين في الجيش "الجزائري"، لذلك ليس بغريب أن يتصرف "النظام" في الجزائر في قضية الكاتب الجزائري "بوعلام صنصال" بهذا الشكل، وذلك تمهيدا لتصفيته والقضاء عليه، ليؤخذ بمصيره ويعطى كمثال للترهيب والتخويف وبث الرعب في نفس من قد يفكر في أن يتجرأ على "النظام" العسكري ويخالفه الرأي في تدبير أمور البلاد.

الملاحظة الثالثة: إن قول "التبون" وموقفه أمام الهيئة التشريعية الجزائرية يعكس مدى هزالة وضعف النظام الجزائري أثناء تدبيره للأزمات، فبالإضافة إلى نهج العنف والقوة التي تطبع سلوك ذات النظام، فتصرفات ومواقف من هذا القبيل تعُّد ردود أفعال تنمُّ عن غياب الرؤية والتحليل، أو أي تفكير يمكن عدّه استراتيجي لدى "العقل" الذي "يدبِّر" الشأن الجزائري في القضايا الوطنية وفي تلك ذات البعد الدولي ..

الملاحظة الرابعة: أن مهاجمة رئيس دولة لمواطن جزائري أعزل وقيد الاعتقال مؤشر على ثلاثة أمور غاية في الخطورة:

الأمر الأول يظهر على مستوى الخرقات الكبيرة والممنهجة لحق وحرية التعبير في الجزائر، فقد أصبح كل من عبّر عن موقفٍ مخالف للعسكر يعرف مصيره مسبقا وهو الاعتقال والسجن أو حتى الاغتيال، وهذا "المنطق" يخالف كل القوانين الدولية ذات الارتباط بحقوق الانسان وحرية التعبير. 

الأمر الثاني: أن الكاتب والمناضل الجزائري "بوعلام صنصال" هو قيد الاعتقال، ومنه كيف يمكن أن تكون هنالك محاكمة عادلة في ظل تخوين، بل حتى إنكار هوية وأصل "بوعلام صنصال"، وفي ظل توجيه من أعلى هرم في السلطة؟ أليس ذلك تأثيرا على العدالة وتدخلا في القضاء؟  إن هذه الواقعة وغيرها لَدليل على عدم استقلال القضاء في الجزائر وخضوعه لأهواء المتنفذين في الجيش ولما يخدم مصالحهم ولا غير ذلك!.

الأمر الثالث: أن خطاب "التبون" يؤشر على أن الجزائر مقبلة على وضع سيئ، وأكثر من أي وقت مضى، فالجزائريون ينتظرهم مستقبل صعب في ظل نظام متسلط ومتزمت قادر على سحق، دون شفقة ولا رحمة، كل من يقف في طريقه وما أدراك أن تعارضه أو تطالب بالتغيير أو أن تحتج !!.

فموقف "التبون" أمام البرلمان الجزائري هو إذن عنوان للمرحلة القادمة في ولايته الثانية لِكَون خطابه هذا كان قد خُصِّصَ لعرض حصيلة ولايته الرئاسية الأولى (2019-2024) وما يعتزم القيام به في ولايته الثانية (2024- 2029) التي بدأت في سبتمبر الماضي.

الملاحظة الخامسة: إن النفخ في قضية رجل عبّر عن رأيه والتهجم عليه، من طرف رئيس الدولة، بكلام مبتذل تجاوز كل الحدود، لدليل على أن النظام الجزائري يعرف افلاسا كليا، ويريد من وراء استخدام أسلوب من هذا القبيل، على الأقل، تحقيق غرضين:

الغرض الأول: غرض "استراتيجي!" معروف وهو محاولة إدامة سيطرة حكم العسكر للبلاد، باستعمال كل الطرق والوسائل، بما فيها خلق أحداث وافتعال أزمات، ومحاكمة الجزائريون ظلما وبهتانا، وكل هذا من أجل امتصاص الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في البلاد، وهي في الواقع أزمة بنيوية ترتبط بطبيعة الحكم وسيطرة شرذمة من العسكر على السلطة بشكل ممتد منذ ستينيات القرن العشرين وإلى اليوم.

 الغرض الثاني تكتيكي يتمثل في محاولة احتواء حركة للتغيير أخذت تتبلور من جديد في البلاد، حيث بدأت تظهر لها تعبيرات في وسائل التواصل الاجتماعي مثل شعار/هاشتاغ"# مانيش راضي# وهو تحرك وإن كان يبدو محتشما بسبب الخوف من بطش العسكر، لكنه في الحقيقة يُعدُّ شرارة وإرهاص أولي يروم الخروج والعودة إلى الشارع للتعبير بشكل عمَلي وأكثر حدة، في شكل مظاهرات واحتجاجات وحراك شعبي عن المطالبة بالديموقراطية والتغيير في البلاد وبابتعاد العسكر عن السياسة.. .

الملاحظة السادسة: إن الأصوات التي أصدرها "التبون" في البرلمان تعدُّ ضجيجا واضحا حاول من خلاله استعراض العضلات والقيام بنوع من"الاستئساد" على شيخ أعزل معتقل في سجون النظام الجزائري، وهذا موقف جبان وبائس ولن يزيد الشعب الجزائري إلا قوة وإصرارا لكي يستفيق من جديد ليتحدَّى القمع الممارس عليه من طرف الحاكِم العسكري. فواضح أن امتلاك القوة المادية من طرف العسكر وتوظيفها تاريخيا ضد الشعب الجزائري لن يثني هذا الأخير حينما يتسلح بالعزيمة. فأمام انسداد الأفق، على جميع الجوانب، وتعرض الجزائريون للقمع بشتى انواعه، فأكيد أنهم سينفجرون يوما ما، وبذلك سيكون مصير" النظام" ومآله نفس ما عاشه بشار الأسد من كابوس وإهانة في سوريا، لذلك يبدو أن "قيادة النظام" الجزائري بدأت منذ سقوط "الأسد" تتحسس قفاها و بدأ يدخلها الشك والفزع وأحست بأن مصيرها قد اقترب، وعليه فمهما حاول "التبون" أن يخلق نوعا من "الوحدة الوطنية"ـ على ظَهرِ صنصال ؛ بالسب والشتم..ـ فلن يفلح في ذلك ، فهذه خطة فاشلة ومكشوفة، ولا تعدو أن تكون سوى محاولة  يائسة للتهريج والتضليل وفقط، كما أن الإعلان عن إعطاء إشارات لإطلاق "حوار وطني" هو في الحقيقة كلام فارغ وكذب ولن ينطلي على الجزائريين، ففي  القريب العاجل، سينبعث حراك في البلاد وهذه المرة لن يُخمد إلا بعد اسقاط الفساد ومن أنتجه في البلاد. 

الملاحظة السابعة: إن هيجان "التبون" ما هو إلا تجلّي من تجليات الارتباك الحاصل لدى الحاكم في الجزائر، فبالإضافة إلى الأزمة الداخلية المتفاقمة لديه، فإن النظام الجزائري يعيش عزلة دولية وإقليمية خطيرة وغير مسبوقة، فبعد محاولات يائسة للضغط على موريتانيا وجرها لصفه ضد المغرب، كان الرد فورا وبصفعة قوية "للنظام" للجزائري، من طرف الرئيس "ولد الغزواني"، -حين قام بزيارته للمغرب ولقائه بصاحب الجلالة الملك محمد السادس- ليضع بذلك حدا لمناورات "التبون" وتحرشاته. فهذا الأخير لا يريد أن يفهم بأن موريتانيا الشقيقة لا يمكن لها أن تساوم بعلاقتها الأخوية الصادقة مع المملكة المغربية مع نظام غير موثوق به ومع شخص ) "التبون"( لا يمثل حتى نفسه!

بعدما خرجت فرنسا من المنطقة الرمادية بخصوص ملف الصحراء المغربية وأكدت سيادة المغرب على صحرائه تدهورت العلاقات مع النظام الجزائري، مما  عمق عزلة الجزائر وأحبط آمال "النظام" العسكري لإبقاء نوع من الستاتيكو Statu quo في ملف الصحراء، وهو أمر لم يكن ليستسيغه  ذات "النظام"، لذلك وأمام انعدام الجرأة لمخاطبة فرنسا بشكل مباشر)وهي التي تعرف جيدا ما ينبني عليه النظام الجزائري(،عمل السيد "التبون" على تشويه الكاتب "بوعلام صنصال"  والانتقام منه لعلَه يجد في الأمر ما يشفي غليل قادته! إنها محاولة فاشلة لن تخرج النظام الجزائري من حالة الارتباك والفوضى التي يعيشها.

إن محاولة الانضمام الفاشلة والمهينة لتجمع "البريكس"، واندحار الحليف الإيراني وعلاقة الفتور مع روسيا.. وعدم قبول أو تحمل عبئ التعامل معه، من طرف معظم الدول الافريقية، جعلت النظام الجزائري في مأزق حقيقي ما دفعه إلى محولات صنع "تحالفات" وهمية مع "أنظمة" مجهرية وفاقدة للشرعية) قيس سعيد بتونس(، هذا إضافة إلى احتضانه لتنظيم انفصالي ارهابي)البوليساريو( يئس المجتمع الدولي من استعماله كورقة للبقاء في الحكم والتسول لجمع "المساعدات الإنسانية"، من أجل سرقتها وإعادة بيعها. كلها معطيات تعكس حالة من التيه والاضطراب الذي يعرفه "الحاكم" في الجزائر وما التعاطي مع ملف "بوعلام صنصال" إلاَّ إحدى صور هذا التيهان. 

إن حالة الارتباك الخطيرة التي يمر منها "النظام" الجزائري يؤكدها أيضا قيام ذات النظام بحذف مقطع هجوم "التبون" على "بوعلام صنصال" والإساءة إليه، هذا بعدما كان قد نشر في السابق. فقد تبين لاحقا بأن المقطع قد غاب من التسجيل الكامل لخطاب "التبون" الذي نشرته الرئاسة الجزائرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما قامت صفحات ومنابر إعلامية موالية للعسكر بحذف المقطع بعدما كانت قد نشرته وخصصت له متابعة.

الملاحظة الثامنة: "بوعلام صنصال" جزائري الأصل والجنسية، قبل أن يكون فرنسي الجنسية، "بوعلام صنصال" إنسان له الحق في أن يعبّر عن رأي يخالف "رأي" العسكريين، "بوعلام" مثقف ومتمكِّن مما يقوله، بوعلام رجل المواقف وليس لصّا ولم ينهب ثروات الجزائريين، "بوعلام صنصال" اضطلع بمسؤوليات حكومية في الجزائر)تقلد سابقا مسؤوليات في وزارة الصناعة( ، فهو مطّلع على خبايا النظام الجزائري ويعرف تاريخ الجزائر وجغرافيتها، لذلك ف"بوعلام صنصال" كان على حق، حين عبر عن موقفه وهو موقف شجاع ، حيث قدم فيه شهادة تاريخية أثناء تحدثه والقول بأن جزءا كبيرا من الأراضي المغربية اقتطعها الاستعمار  لصالح الجزائر.

وعليه فما فَاهَ به "التبون":"اليوم تجي نتيا تبعث لي واحد لص مجهول الهوية مجهول الاب اِجي اقولك الجزائر نصها كانت لدولة الفلانية" !! هو في الواقع هذيان، لكنه ينمَ عن حقد كبير لدى النظام الجزائري.. اتجاه كل من يعبر عن موقف يقول الحق ويعارض تفاهات النظام الجزائري.

فالحقيقة، التي لا غبار عليها، أن هناك أراضي مغربية انتُزعت من المملكة المغربية، في ظل الاستعمار الفرنسي، لصالح الجزائر وهذا أمر يعرفه كل الجزائريون، وليس فقط موقف "بوعلام صنصال"، فتنكَّر النظام الجزائري لهذه الحقيقة هو نكران ليس فقط لحق المغرب في أرض تعود له تاريخيا، بل نكران للجميل الذي قدمه المغاربة خلال الدعم والمساندة للجزائر للتحرر من الاستعمار المباشر.

إن افتعال قضية الصحراء واحتضان تنظيم انفصالي ذي التوجهات الإرهابية، والتحرش المتواصل بالوحدة الترابية للملكة المغربية، عن طريق توظيف البوليساريو، والهجوم الإعلامي المتواصل على المغرب، وتقييد حرية تعبير الجزائريين ومحاكمتهم وسجنهم لقولهم كلمة حق في المغرب لم يزدِ المغاربة إلا تعاطفا مع إخوانهم الجزائريون، كما لن يزيد لديهم)المغاربة( إلا الإصرار على المطالبة بفتح ملف الصحراء الشرقية المغربية طال الزمان أو قصر. إن النظام الجزائري لم يدرك بعد بأنه في عالم اليوم لم تعد حيلة "الحرب" الإعلامية الاستباقية تنطلي على أحد، فلا يصح إلا الصحيح.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل نستحق هذه الحكومة؟

كل يوم، يزداد المغربي يقينا أن "حكومة الكفاءات" هي "وليمة قاتلة" قُدمت للمغاربة لتأخذهم لمصيرهم الثقيل والمجهول، بعد أن تحطمت كل الأرقام مع الحُكومة التي يقودها رجل الأعمال عزيز أخنوش. في ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...